طلب المدرب من كل مجموعة كتابة خطوات تحضير كوب من القهوة ، كنا ثلاث مجموعات وكل مجموعة فيها عدد من المتدربين لا يقل عن اربعة ، في البداية لم نعرف المغزى والهدف الحقيقي من هدا التدريب الطريف والغريب. في مجموعتنا الامر كان سهل جدا وكان الصعب في الموضوع على ما فيه من طرافة هو الاختلاف بين اعضاء الفريق في تحديد الخطوات وهل نبدأ مثلا بشراء القهوة والسكر او تكون البداية بتسخين الماء على افتراض ان القهوة والسكر متوفرة، تعلو الاصوات وتخفو مع كل اختلاف ومع كل خطوة جديدة ، وكان هذا هو حال المجموعات الاخرى في القاعة.
الملاحظ والملفت في الامر ان كل مجموعة وضعت خطوات مختلفة عن الاخرى لتحضير كوب من القهوة ومرد هذا الاختلاف حسب ظني هو في اختلاف الناس انفسهم واختلافهم في نظرتهم للامور و هذا شئ طبيعي و متوقع . نسيت ان اقول ان هذا التدريب الطريف كان بداية دورة تدريبية تهتم بتطوير وتحسين اجراءات العمل .
ان "تحضير كوب من القهوة" هو في الحقيقة عمل او يسمى اصطلاحا " إجراء"(Process) وهو مثل اي اجراء او عمل اخر نقوم به في حياتنا ، وبما ان الاختلاف في تفسير الامور و اختلاف وجهات النظر تجاهها امر متوقع و طبيعي مثل ما حصل حول هذا الاجراء البسيط فان الاختلاف في نظرتنا وفهمنا الى اي اجراء آخر مكلفين او مشاركين او تربطنا علاقة بتنفيذه هو ايضا امر متوقع وطبيعي ما لم نقوم بتوثيقه و شرحه للمعنيين بهذا التنفيذ . كم سمعنا تذمر موظف في ادارة ما من عدم معرف موظف اخر في ادارة اخرى لطريقة العمل وتعجبه من تصرف زميله بطريقة مختلفة عن ما يظنه الصحيح و كم راينا من الموظفين وحيرتهم لعدم معرفتهم بالتصرف السليم والصحيح في موقف ما او عمل ما، و هذا وذاك وغيره من الاشكالات في تنفيذ الاعمال مرده الى عدم وجود توثيق للاجراءات متاحة ليطلع عليها الجميع ولهذا يضطر الموظف الى تفسير الامور بالطريقة التي يراها من وجهة نظره .
يظن البعض أن العناية باجراءات العمل وتوثيقها ومن ثم تطويرها ونحسينها ترفا لا حاجة له و عبثا بالمكاسب و تبذير للجهد والمال، و الواقع المجرب أن هذا العمل هو مفتاح من مفاتيح النجاح والتميز لأي منشأة ، فالمنشآت الكبيرة لا يمكن التحكم في ادارتها و تشغيلها بالطريقة المثلى من غير وجود اجراءات وسياسات واضحة و موثقة ، فقد ينجح شخص في التحكم بمنشأته الصغيره و إدارتها بنجاح و هذا النجاح ممكن ومتحقق متى ما كانت المنشأة صغيرة و تحت نظر وبصر هذا الشخص ليل نهار ، والاكيد ان هذا النجاح يتعذر في حال المنشآت الكبيرة والفروع المتعددة التي يصعب بل يستحيل التحكم فيها بغير اجراءات واضحة وسياسات صارمة .
إن اجراءات العمل هي كائنات حية تتنفس و تعيش و تهرم ، نعم تهرم حتى تكاد تنعدم فائدتها بل ان الكثير من الاجراءات التي مضى عليها ازمان لم تتغير ولم تتطور و لم تتحسن لتواكب تطور الحياة قد تعيق العمل و تخلق الكثير من المشاكل التي تنعكس على المنشأة بالسلبية ولنا في بعض الادارات الحكومية التي لم تعنى بهذا الجانب المهم خير مثال و جميع المنشاات العامة والخاصة في حاجة ملحة الى اعادة تصميم الكثير من اجراءات العمل و متابعتها و إبقاء عجلة التطوير والتحسين لهذه الاجراءات وذلك لتحقيق الاهداف المطلوبة والتغلب على الكثير من العوائق والمشاكل التي تواجة اي منشأة في ظل غياب هذه الآليات.
هذه المشاركة من اخي الاستاذ حمد النهدي